الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قال الإمام أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ: أَحْسَنُ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ حَدِيثُ تَكْلِيمِ اللَّهِ لِمُوسَى.وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ قوله: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} قَدْ قِيلَ إنَّهُ مَصْدَرٌ وَقِيلَ إنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ وَالْقولانِ مُتَلَازِمَانِ. لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْقَصَصَ مَفْعُولٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مَصْدَرًا فَقَدْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَقْصُوصِ كَمَا فِي لَفْظِ الْخَبَرِ وَالنَّبَأِ وَالِاسْتِعْمَالِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ أَهْلُ اللُّغَةِ قال الْجَوْهَرِيُّ: وَقَدْ قَصَّ عَلَيْهِ الْخَبَرَ قَصَصًا وَالِاسْمُ أَيْضًا الْقَصَصُ بِالْفَتْحِ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ حَتَّى صَارَ أَغْلَبَ عَلَيْهِ فَقوله أَحْسَنَ الْقَصَصِ كَقوله: نُخْبِرُك أَحْسَنَ الْخَبَرِ وَنُنَبِّئُك أَحْسَنَ النَّبَأِ وَنُحَدِّثُك أَحْسَنَ الْحَدِيثِ. وَلَفْظُ (الْكَلَامِ) يُرَادُ بِهِ مَصْدَرُ كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا وَيُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْقول فَإِنَّ الْقول فِيهِ فِعْلٌ مِنْ الْقَائِلِ هُوَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ وَالْقول يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَلِهَذَا تَارَةً يَجْعَلُ الْقول نَوْعًا مِنْ الْفِعْلِ لِأَنَّهُ حَاصِلٌ بِعَمَلِ وَتَارَةً يُجْعَلُ قَسِيمًا لَهُ يُقال: الْقول وَالْعَمَلُ وَكَذَلِكَ قَدْ يُقال فِي لَفْظِ (الْقَصَصِ) و(الْبَيَانِ) و(الحديث) و(الْخَبَرِ) وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِذَا أُرِيدَ بِالْقِصَصِ وَنَحْوِهِ الْمَصْدَرُ الَّذِي مُسَمَّاهُ الْفِعْلُ فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْقول وَالْقول تَابِعٌ وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ نَفْسُ الْكَلَامِ وَالْقول فَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْفِعْلِ تَابِعٌ لِلْفِعْلِ. فَالْمَصَادِرُ الْجَارِيَةُ عَلَى سُنَنِ الْأَفْعَالِ يُرَادُ بِهَا الْفِعْلُ كَقولك كَلَّمْته تَكْلِيمًا وَأَخْبَرْته إخْبَارًا وَأَمَّا مَا لَمْ يَجْرِ عَلَى سُنَنِ الْفِعْلِ- مِثْلَ الْكَلَامِ وَالْخَبَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ- فَإِنَّ هَذَا إذَا أُطْلِقَ أُرِيدَ بِهِ الْقول وَكَذَلِكَ قَدْ يُقال فِي لَفْظِ الْقَصَصِ فَإِنَّ مَصْدَرَهُ الْقِيَاسِيَّ قَصًّا مِثْلَ عَدَّهُ عَدًّا وَمَدَّهُ مَدًّا وَكَذَلِكَ قَصَّهُ قَصًّا وَأَمَّا قَصَّصَ فَلَيْسَ هُوَ قِيَاسُ مَصْدَرِ الْمُضَعَّفِ وَلَمْ يَذْكُرُوا عَلَى كَوْنِهِ مَصْدَرًا إلَّا قوله: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ. بَلْ قَدْ يَكُونُ اسْمَ مَصْدَرٍ أُقِيمَ مَقَامَهُ كَقوله: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} وَإِنْ جُعِلَ مَصْدَرَ قَصَّ الْأَثَرَ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرَ قَصَّ الْحَدِيثَ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ خَبَرٌ وَنَبَأٌ فَكَانَ لَفْظُ قَصَصٍ كَلَفْظِ خَبَرٍ وَنَبَأٍ وَكَلَامٍ.وَأَسْمَاءُ الْمَصَادِرِ فِي بَابِ الْكَلَامِ تَتَضَمَّنُ الْقول نَفْسَهُ وَتَدُلُّ عَلَى فِعْلِ الْقَائِلِ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ وَاللُّزُومِ فَإِنَّك إذَا قُلْت: الْكَلَامُ وَالْخَبَرُ وَالْحَدِيثُ وَالنَّبَأُ وَالْقَصَصُ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ قولك: التَّكْلِيمُ وَالْإِنْبَاءُ وَالْإِخْبَارُ وَالتَّحْدِيثُ وَلِهَذَا يُقال إنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَاسْمُ الْمَصْدَرِ يَنْتَصِبُ عَلَى الْمَصْدَرِ كَمَا فِي قوله: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} فَإِذَا قال: كَلَّمْته كَلَامًا حَسَنًا وَحَدَّثْته حَدِيثًا طَيِّبًا وَأَخْبَرْته أَخْبَارًا سَارَّةً وَقَصَصْت عَلَيْهِ قِصَصًا صَادِقَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ كَانَ هَذَا مَنْصُوبًا عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا كَقولك كَلَّمْته تَكْلِيمًا وَأَنْبَأْته إنْبَاءً. فَتَبَيَّنَ أَنَّ قوله: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ وَكُلُّ مَا قَصَّهُ اللَّهُ فَهُوَ أَحْسَنُ الْقَصَصِ وَلَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْمَصْدَرِ وَمَعْنَى الْمَفْعُولِ بِهِ جَازَ أَنْ يَنْتَصِبَ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ تَقول: قُلْت قولا حَسَنًا وَقَدْ أَسْمَعْته قولا وَلَمْ يَسْمَعْ الْفِعْلَ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ وَإِنَّمَا سَمِعَ الصَّوْتَ وَتَقول قال يَقول قولا فَتَجْعَلُهُ مَصْدَرًا وَالصَّوْتُ نَفْسُهُ لَيْسَ هُوَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ إنَّمَا مُسَمَّى الْمَصْدَرِ الْفِعْلُ الْمُسْتَلْزِمُ لِلصَّوْتِ وَلَكِنَّ هُمَا مُتَلَازِمَانِ.وَلِهَذَا تَنَازَعَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ فِي التِّلَاوَةِ وَالقرآن هَلْ هِيَ القرآن الْمَتْلُوُّ أَمْ لَا؟ وَقَدْ تَفَطَّنَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ لِمَا يُنَاسِبُ هَذَا الْمَعْنَى وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَبَبُ الِاشْتِبَاهِ أَنَّ الْمَتْلُوَّ هُوَ القرآن نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ الْكَلَامُ وَالتِّلَاوَةُ قَدْ يُرَادُ بِهَا هَذَا وَقَدْ يُرَادُ بِهَا نَفْسُ حَرَكَةِ التَّالِي وَفِعْلِهِ وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْأَمْرَانِ جَمِيعًا فَمَنْ قال: التِّلَاوَةُ هِيَ الْمَتْلُوُّ أَرَادَ بِالتِّلَاوَةِ نَفْسَ القرآن الْمَسْمُوعِ وَذَلِكَ هُوَ الْمَتْلُوُّ وَمَنْ قال غَيْرَهُ أَرَادَ بِالتِّلَاوَةِ حَرَكَةَ الْعَبْدِ وَفِعْلَهُ وَتِلْكَ لَيْسَتْ هِيَ القرآن وَمَنْ نَهَى عَنْ أَنْ يُقال التِّلَاوَةُ هِيَ الْمَتْلُوُّ أَوْ غَيْرُ الْمَتْلُوِّ فَلِأَنَّ لَفْظَ التِّلَاوَةِ يَجْمَعُ الْأَمْرَيْنِ كَمَا نَهَى الإمام أَحْمَد وَغَيْرُهُ عَنْ أَنْ يُقال: لَفْظِي بِالقرآن مَخْلُوقٌ أَوْ غَيْرُ مَخْلُوقٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يُرَادُ بِهِ الْمَلْفُوظُ نَفْسُهُ الَّذِي هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَيُرَادُ بِهِ مَصْدَرُ لَفَظَ يَلْفِظُ لَفْظًا وَهُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ لَفْظِي بِالقرآن غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَطْلَقَ نَاسٌ آخَرُونَ أَنَّ لَفْظِي بِهِ مَخْلُوقٌ قال ابْنُ قُتَيْبَةَ: لَمْ يَتَنَازَعْ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ وَهَذَا كَانَ تَنَازُعُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ أَدْرَكُوهُ. ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ هَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ قالوا: التِّلَاوَةُ غَيْرُ الْمَتْلُوِّ وَأَرَادُوا بِالتِّلَاوَةِ نَفْسَ كَلَامِ اللَّهِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي هُوَ القرآن وَأَرَادُوا بِالْمَتْلُوِّ مَعْنًى واحدًا قَائِمًا بِذَاتِ اللَّهِ.وقال آخَرُونَ: التِّلَاوَةُ هِيَ الْمَتْلُوُّ وَأَرَادُوا بِالتِّلَاوَةِ نَفْسَ الْأَصْوَاتِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ القرآن جَعَلُوا مَا سَمِعَ مِنْ الْأَصْوَاتِ هُوَ نَفْسُ الْكَلَامِ الَّذِي لَيْسَ بِمَخْلُوقِ وَلَمْ يُمَيِّزُوا بَيْنَ سَمَاعِ الْكَلَامِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ وَبَيْنَ سَمَاعِهِ مِنْ الْمُبَلَّغِ لَهُ عَنْهُ فَزَادَ كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ الْبِدَعِ مَا لَمْ يَكُنْ يَقوله أحد مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْعِلْمِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مَنْ يَقول: إنَّ القرآن الْعَرَبِيَّ لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَلَا يَجْعَلُ الْمَتْلُوَّ مُجَرَّدَ مَعْنًى وَلَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَقول: إنَّ أَصْوَاتَ الْعِبَادِ- وَغَيْرُهَا مِنْ خَصَائِصِهِمْ- غَيْرُ مَخْلُوقٍ بَلْ هُمْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ القرآن الْمَتْلُوَّ هُوَ القرآن الْعَرَبِيُّ الَّذِي نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ اللَّهِ بِالْحَقِّ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ. وَلَكِنْ تَنَازَعُوا فِي تِلَاوَةِ الْعِبَادِ لَهُ: هَلْ هِيَ القرآن نَفْسُهُ أَمْ هِيَ الْفِعْلُ الَّذِي يَقرأ بِهِ القرآن؟. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ لَفْظَ (التِّلَاوَةِ) يُرَادُ بِهِ هَذَا وَهَذَا وَلَفْظُ (القرآن) يُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْكَلَامُ قال اللَّهُ تعالى: {إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقرآنهُ فَإِذَا قرآناهُ فَاتَّبِعْ قرآنهُ ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: إنَّ عَلَيْنَا أَنْ نَجْمَعَهُ فِي قَلْبِك وَتَقرأهُ بِلِسَانِك.وقال أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ: يُقال قرأت الْكِتَابَ قراءة وَقرآنا وَمِنْهُ قول حَسَّانَ:
وَقَدْ قال تعالى: {فَإِذَا قرأتَ القرآن فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وَقال تعالى: {وَإِذَا قرأتَ القرآن جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} وَقال تعالى: {وَإِذَا قرئ القرآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} وَهْم إنَّمَا يَسْتَمِعُونَ الْكَلَامَ نَفْسَهُ وَلَا يَسْتَمِعُونَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْمَعُ فَقوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ بَابِ نَقرأ عَلَيْك أَحْسَنَ الْقَصَصِ وَنَتْلُو عَلَيْك أَحْسَنَ الْقَصَصِ كَمَا قال تعالى: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} وَقال: {فَإِذَا قرآناهُ} قال ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْ قراءة جِبْرِيلَ {فَاتَّبِعْ قرآنهُ} فَاسْتَمِعْ لَهُ حَتَّى يَقْضِيَ قراءته. وَالْمَشْهُورُ فِي قوله: {وَإِذَا قرأتَ القرآن} أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ فَكَذَلِكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ لَكِنَّ فِي كِلَاهُمَا مَعْنَى الْمَصْدَرِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فَفِيهِ مَعْنَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَمَعْنَى الْمَصْدَرِ جَمِيعًا وَقَدْ يَغْلِبُ هَذَا كَمَا فِي قوله: {إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقرآنهُ} فَالْمُرَادُ هُنَا نَفْسُ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ وَقَدْ يَغْلِبُ هَذَا تَارَةً كَمَا فِي قوله: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} وَقوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القرآن لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} وَقوله: {إنَّ هَذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} وَغَالِبُ مَا يَذْكُرُ لَفْظَ (القرآن) إنَّمَا يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْكَلَامِ لَا يُرَادُ بِهِ التَّكَلُّمُ بِالْكَلَامِ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ. وَمِثْلَ هَذَا كَثِيرٌ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ أَمْرَانِ مُتَلَازِمَانِ إمَّا دَائِمًا وَإِمَّا غَالِبًا فَيُطْلَقُ الِاسْمُ عَلَيْهِمَا وَيَغْلِبُ هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً وَقَدْ يَقَعُ عَلَى أحدهِمَا مُفْرَدًا كَلَفْظِ (النَّهْرِ) و(الْقَرْيَةِ) و(الْمِيزَابِ) وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ حَالٌ وَمَحَلُّ فَالِاسْمِ يَتَنَاوَلُ مَجْرَى الْمَاءِ وَالْمَاءُ الْجَارِي وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْقَرْيَةِ يَتَنَاوَلُ الْمَسَاكِنَ وَالسُّكَّانَ ثُمَّ تَقول: حَفَرَ النَّهْرَ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَجْرَى وَتَقول جَرَى النَّهْرُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ وَتَقول جَرَى الْمِيزَابُ تَعْنِي الْمَاءَ وَنَصَبَ الْمِيزَابَ تَعْنِي الْخَشَبَ.وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ} وَالْمُرَادُ السُّكَّانُ فِي الْمَكَانِ وَقال تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} وَقال تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} وَقال تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} وَقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} وَقال تعالى: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} وَقال تعالى: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} وَالْخَاوِي عَلَى عُرُوشِهِ الْمَكَانُ لَا السُّكَّانُ وَقال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ بِالْقَرْيَةِ هُمْ السُّكَّانُ كَانَ إرَادَتُهُمْ أَكْثَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ لَفْظُ النَّهْرِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَاءُ كَانَ إرَادَتُهُ أَكْثَرَ كَقوله: {وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} وَقوله: {وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا} فَهَذَا كَثِيرٌ أَكْثَرُ مِنْ قولهمْ حَفَرْنَا النَّهْرَ. وَكَذَلِكَ إطْلَاقُ لَفْظِ القرآن عَلَى نَفْسِ الْكَلَامِ أَكْثَرَ مِنْ إطْلَاقِهِ عَلَى نَفْسِ التَّكَلُّمِ. وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْكَلَامِ وَالْقول وَالْقَصَصِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ يُرَادُ بِهَا نَفْسُ الْكَلَامِ أَكْثَرَ مِمَّا يُرَادُ بِهَا فِعْلُ الْمُتَكَلِّمِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ.وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} الْمُرَادُ الْكَلَامُ الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ الْقَصَصِ وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا قَصَّهُ اللَّهُ لَمْ يَخُصَّ بِهِ سُورَةَ يُوسُفَ؛ وَلِهَذَا قال: {بِمَا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هَذَا القرآن} وَلَمْ يَقُلْ بِمَا أَوْحَيْنَا إلَيْك هَذِهِ السُّورَةَ وَالْآثَارُ الْمَأْثُورَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ تَدُلُّ كُلُّهَا عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ القرآن أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ وَهُوَ الْمُرَادُ. وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَسَوَاءٌ كَانَ أَحْسَنُ الْقَصَصِ مَصْدَرًا أَوْ مَفْعُولًا أَوْ جَامِعًا لِلْأَمْرَيْنِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ القرآن وَمَا فِي القرآن مِنْ الْقَصَصِ أَحْسَنُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَحْسَنَ كَانَ الْآخَرُ أَحْسَنَ. فَتَبَيَّنَ أَنَّ قوله تعالى: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} كَقوله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} وَالْآثَارُ السَّلَفِيَّةُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَالسَّلَفُ كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ القرآن أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَأَحْسَنُ الْقَصَصِ كَمَا أَنَّهُ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ كُتُبِ السَّمَاءِ فَكَيْفَ يُقال: إنَّ كَلَامَ اللَّهِ كُلَّهُ لَا فَضْلَ لِبَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَلُّوا مِلَّةً فَقالوا: حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} ثُمَّ مَلُّوا مِلَّةً فَقالوا: حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَزَلَتْ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} ثُمَّ مَلُّوا مِلَّةً فَقالوا: حَدِّثْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}. وَقَدْ رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي (فَضَائِلِ القرآن) عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ فَقال حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عتبة قال: مَلَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِلَّةً فَقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} قال: ثُمَّ نَعَتَهُ فَقال: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} إلَى آخِرِ الْآيَةِ قال: ثُمَّ مَلُّوا مِلَّةً أُخْرَى فَقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا شَيْئًا فَوْقَ الْحَدِيثِ وَدُونَ القرآن يَعْنُونَ الْقَصَصَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} إلَى قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هَذَا القرآن وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} قال: فَإِنْ أَرَادُوا الْحَدِيثَ دَلَّهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْحَدِيثِ وَإِنْ أَرَادُوا الْقَصَصَ دَلَّهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْقَصَصِ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ مَرْفُوعًا عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ قال: نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم القرآن فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا. فَقالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَصَصْت عَلَيْنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} فَتَلَاهُ عَلَيْهِمْ زَمَانًا.وَلَمَّا كَانَ القرآن أَحْسَنَ الْكَلَامِ نُهُوا عَنْ اتِّبَاعِ مَا سِوَاهُ قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}.وروى النَّسَائِي وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ رَأَى بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ شَيْئًا مِنْ التَّوْرَاةِ فَقال: «لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ».وَفِي رِوَايَةٍ «مَا وَسِعَهُ إلَّا اتِّبَاعِي».وَفِي لَفْظٍ: فَتَغَيَّرَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِ عُمَرُ ذَلِكَ فَقال لَهُ بَعْضُ الْأَنْصَارِ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلَا تَرَى إلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقال عُمَرُ: رَضِينَا بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدِ نَبِيًّا.وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُنْهَوْنَ عَنْ اتِّبَاعِ كُتُبٍ غَيْرِ القرآن. وَعُمَرُ انْتَفَعَ بِهَذَا حَتَّى أَنَّهُ لَمَّا فُتِحَتْ الإسْكَنْدَريَّة وُجِدَ فِيهَا كُتُبٌ كَثِيرَةٌ مِنْ كُتُبِ الرُّومِ فَكَتَبُوا فِيهَا إلَى عُمَرَ فَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُحْرَقَ وَقال: حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ.وروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ حَدَّثَنَا علي بن مُسْهِرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْحَاقَ عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عرفطة قال: كُنْت عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إذْ أُتِيَ بِرَجُلِ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ مَسْكَنُهُ بِالسُّوسِ. فَقال لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ العبدي؟ قال: نَعَمْ.قال: وَأَنْتَ النَّازِلُ بِالسُّوسِ؟ قال: نَعَمْ. فَضَرَبَهُ بِقَنَاةِ مَعَهُ فَقال لَهُ: مَا ذَنْبِي؟ قال فَقرأ عَلَيْهِ {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هَذَا القرآن وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} فَقرأهَا عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَضَرَبَهُ ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ ثُمَّ قال لَهُ عُمَرُ: أَنْتَ الَّذِي انتسخت كِتَابَ دَانْيَالَ؟ قال: نَعَمْ.قال: اذْهَبْ فَامْحُهُ بِالْحَمِيمِ وَالصُّوفِ الْأَبْيَضِ وَلَا تَقرأهُ وَلَا تُقرئهُ أحدا مِنْ النَّاسِ. فَقرأ عَلَيْهِ عُمَرُ هَذِهِ الْآيَةَ لِيُبَيِّنَ لَهُ أَنَّ القرآن أَحْسَنُ الْقَصَصِ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى غَيْرِهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَصَصَ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِسُورَةِ يُوسُفَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ القرآن أَفْضَلُ مِنْ كِتَابِ دَانْيَالَ وَنَحْوِهِ مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ. وَكَذَلِكَ مِثْلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَأْثُورَةٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَمَّا أُتِيَ بِمَا كُتِبَ مِنْ الْكُتُبِ مَحَاهُ وَذَكَرَ فَضِيلَةَ القرآن كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.وروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قتادة {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} قال: مِنْ الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ وَأُمُورِ اللَّهِ السَّالِفَةِ فِي الْأُمَمِ {بِمَا أَوْحَيْنَا إلَيْكَ هَذَا القرآن}. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحْسَنَ الْقَصَصِ يَعُمُّ هَذَا كُلَّهُ؛ بَلْ لَفْظُ (الْقَصَصِ) يَتَنَاوَلُ مَا قَصَّهُ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ غَيْرَ أَخْبَارِ الْأُمَمِ كَقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قالوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا} وَقال فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} وَقَدْ قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}.وروى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَعْرُوفِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: مُؤْتَمَنًا عَلَيْهِ.قال: وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّهُ الْأَمِينُ. وَرُوِيَ مِنْ تَفْسِيرِ الْوَالِبِيَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: الْمُهَيْمِنُ الْأَمِينُ قال: عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ وَكَذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ قال: مُصَدِّقًا بِهَذِهِ الْكُتُبِ وَأَمِينًا عَلَيْهَا. وَمِنْ تَفْسِيرِ الْوَالِبِيَّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ قال: شَهِيدًا وَكَذَلِكَ قال السدي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقال فِي قوله: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ.قال: وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَطِيَّةَ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وقتادة والسدي وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ نَحْوِ ذَلِكَ. وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَدْ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ طُلِبَ مِنْهُ إخْرَاجُ تَفْسِيرِ القرآن مُخْتَصَرًا بِأَصَحِّ الْأَسَانِيدِ وَأَنَّهُ تَحَرَّى إخْرَاجَهُ بِأَصَحِّ الْأَخْبَارِ إسْنَادًا وَأَشْبَعَهَا مَتْنًا وَذَكَرَ إسْنَادَهُ عَنْ كُلِّ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ شَيْئًا. فَالسَّلَفُ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ القرآن هُوَ الْمُهَيْمِنُ الْمُؤْتَمِنُ الشَّاهِدُ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُهَيْمِنَ عَلَى الشَّيْءِ أَعْلَى مِنْهُ مَرْتَبَةً. وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ (الْمُهَيْمِنُ) وَيُسَمَّى الْحَاكِمَ عَلَى النَّاسِ الْقَائِمَ بِأُمُورِهِمْ (الْمُهَيْمِنُ).
|